برنامج تطوير قيادة المرأة وتمكينها لعملية الديمقراطية

ظاهرة الدعاة الجدد في مصر: ناشطات اسلاميات عصريات

"داوها بالتي كانت هي الداء" عبارة تتبادر إلى الذهن مع النظر والتمعن في ظاهرة تتنامى حولنا هي ظاهرة الناشطات الإسلاميات, لا سيما في القاهرة.

فالنظرة النمطية غير الدقيقة الى الإسلام تضع المرأة في خانة "مواطن من درجة ثانية", ذي حقوق منتقصة, ومكانة متلقية وغير فاعلة في المجتمع, لكن بزوغ نجم "الناشطات الإسلاميات" في السنوات الأخيرة من شأنه أن يأتي برياح التغيير على النمط السائد, ويضع الأمور في نصابها الصحيح.



الحاجة سعاد الحائزة على بكالوريوس في الآداب من جامعة عين شمس, عملت في مصرف لمدة 15 عاماً, وتبحّرت في أمور الدين, تبحّراً أدى بها إلى استقالتها من وظيفتها والالتحاق بمعهد الدعاة حيث حصلت على شهادة تؤهلها لأن تكون داعية إسلامية, وهي حالياً تعطي دروساً دينية أسبوعية للسيدات العضوات في إحدى الجمعيات الخيرية في حي مصر الجديدة.



وفي شركة تخديم في ضاحية المهندسين, تدير رباب شؤون الشركة التي توفر السائقين والطهاة وحراس الأمن والخادمات والمربيات لمئات الأسر والشركات. والغريب أنها تدير كل هذا من خلف نقاب يظهر بالكاد عينيها, وهي تقدم لكل عميل هدية هي عبارة عن شريطي كاسيت, الأول لعمرو خالد الذي يُعرّف نفسه بـ"الداعية الإسلامي", والثاني للشيخ محمد جبريل. أما العمالة نفسها فتحصل على شريط واحد فقط.



وفي القنوات الفضائية الدينية زاد عدد المذيعات المحجبات اللواتي يقدمن برامج اجتماعية وحوارية وكلها في إطار ديني بحت. نحن إذن أمام ظاهرة يمكن أن يطلق عليها اسم "الناشطات الإسلاميات".



الباحثة في الجامعة الاميركية في القاهرة شيرين حافظ أجرت بحثاً بعنوان "صيغ التمكين: ناشطات إسلاميات في مصر", اعتمدت فيه على بحث ميداني في جمعيتين إسلاميتين تديرهما وتعمل فيهما سيدات يقدمن من خلالهما خدمات اجتماعية ودينية مختلفة للمجتمع.



مثل تلك الجمعيات انتشرت في القاهرة انتشاراً كبيراً في السنوات الأخيرة في مختلف الأحياء والضواحي, وهو ما دعا الباحثة إلى اختيار جمعيتين من طبقتين اجتماعيتين واقتصاديتين مختلفتين, ما يجعلهما صورة للمجتمع المصري.



أسئلة عدة تطرح نفسها نظراً الى غرابة وحساسية الظاهرة. فما هي رؤية المرأة المصرية لفكرة التمكين في الإطار الإسلامي, لا سيما أن الإسلاميين عادة ينظر إليهم بوصفهم لا يؤمنون بحرية المرأة؟ وأي نوع من التمكين يمكن للمرأة المسلمة أن تحققه من خلال نشاطاتها؟ وكيف يمكن لفاعلية هؤلاء الناشطات أن تساهم في تمكين المرأة المسلمة في مصر؟



قبل الخوض في تفاصيل ظاهرة أولئك الناشطات, تجب التفرقة بين النموذج النسوي الليبرالي الغربي الذي يُستخدم عادة لشرح مفهوم تمكين المرأة, وبين الظاهرة الموجودة في مصر.



وتعيد الباحثة شيرين حافظ بداية الظاهرة إلى عام 1995, وتحديداً حين رفع عدد من النساء الناشطات في المجال الديني الشعار الذي خرج عن جبهة المنظمات غير الحكومية في بكين "لدي رأي باعتباري امرأة مسلمة".



اعتمدت حافظ في بحثها على التردد على ثلاثة مساجد في القاهرة حيث تلقي الداعيات دروساً دينية, أو ينخرطن في أنشطة اجتماعية وتثقيفية وتعليمية لنساء المنطقة التي يقع فيها المسجد.



والمعروف أن مبدأ "القوة" أو "السلطة" حين يطرح في مجتمعات الشرق الأوسط قلما يضم النساء. والملاحظ أيضاً أن الدراسات التي تجري على الحركات النسوية في الشرق الأوسط تتجاهل الناشطات الإسلاميات باعتبارهن جزءاً لا يتجزأ من الحركات الإسلامية الذكورية. ولم تتمكن من إدماج الجهود التي تبذلها النساء للمطالبة بحقوقهن من منطلق إسلامي في الدراسات والتحاليل إلا قلة قليلة.



وتشير حافظ إلى ثلاث نساء يمثلن ثلاثة أجيال من الحركات النسوية الإسلامية, هن زينب الغزالي وصافي ناز كاظم ووهبة رؤوف عزت, فنشاطهن وفاعليتهن ينبعان من درايتهن بعدم العدالة بين الجنسين والرغبة في إعادة التوازن باستخدام نموذج إسلامي.



وربما يعود عدم رغبة أو تقاعس الباحثين عن درس مثل هذه الظاهرة إلى الصعوبة النفسية في تقبّل فكرة تمكين النساء ضمن مفهوم إسلامي, إذ يعتقد كثيرون أنهما طرفا نقيض.



إلا أن الواقع يشير إلى أن الناشطات الإسلاميات يرتكزن على قشرة خارجية اسمها "موجة الإحياء الإسلامي في مصر". على رغم اختلاف خلفياتهن الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, إلا أن ما يجمع هؤلاء النساء هو حماس ديني يهدف إلى تحقيق قدر أكبر من التدين وتحسين الذات.



والملاحظ أن الصورة المثالية للمرأة المسلمة والتي تضعها نصب أعينها غالبية هؤلاء النساء الناشطات, سواء كن داعيات أو مجرد أفراد في الجمعيات الخيرية الدينية, مشتقة من كتابات جماعة الإخوان المسلمين.



والمراقب للسوق المصرية سيجد أنها عامرة بكم هائل من تلك الكتابات في صورة كتب أو كتيبات تتطرق إلى المعاملات والعبادات في الدين الإسـلامي, وللنـساء المسلمات نصيب عادل منها.



وعلى رغم التركيز الواضح في مثل تلك الكتابات على أجساد النساء, وضرورة تغطيتها والتزام الحياء وغيرها, إلا أنها تشتمل كذلك على تبجيل عمل المرأة, شرط أن يأتي في المرتبة التالية لعملها في داخل المنزل لتلبية حاجات ابنائها وزوجها.



وتشير الباحثة حافظ إلى ظاهرة ارتداء الغالبية العظمى من الفتيات بين سن 7 و15 عاماً في المساجد التي درستها, للحجاب, وفي أحد تلك المساجد تنظم النساء المسؤولات هناك "حفلة حجاب" كل فترة يتم توجيه الدعوة فيها إلى المترددات على مساجد ومراكز إسلامية مجاورة, وفيها يتم الاحتفال بالفتيات اللواتي ارتدين الحجاب.



تقول إحدى المسؤولات: "ندعو الفتيات إلى الحفلة على أمل أن يشجعن بعضهن بعضاً على الإقدام على تلك الخطوة, والحفلة فيها الكثير من المدح, اذ نغني أغنيات خاصة, وتضع الفتياتُ المحجبات حديثاً تيجاناً على رؤوسهن ويتم تكريمهن".



يذكر أن تلك الحفلات التي أقيم بعضها في ناد رياضي مشهور قبل سنوات, أثارت الكثير من الاعتراضات الرسمية, ومن بعض المسلمين كذلك الذين احتجّوا على إقامة حفلات تشبه في فحواها احتفالات المسيحيين بدخول الفتيات سلك الرهبنة.



ولاحظت حافظ في الأحاديث التي أجرتها مع النساء "الناشطات" أنهن جميعاً عارضن التطرق إلى نشاطهن باعتباره نوعاً من "التمكين". وتقول إحداهن وهي داعية: "القول بأنني متمكنة يعد تناقضاً وما أمثله كداعية, فمُهمتي أن أكون متواضعة. صحيح أن طبيعة مهمتي الدينية تمنحني إحساساً بالقوة مقارنة بأولئك النساء اللواتي يشغلن أنفسهن بالتوافه, لكن الحديث عن "التمكين" يناقض طبيعة الإسلام".



والمعنى الذي خلصت إليه حافظ من مفهوم "التمكين" بالنسبة إلى النساء الناشطات دينياً هو أن "التمكين" وسيلة يستخدمنها لتحقيق الكمال الديني وليس كغاية في حد ذاتها.



وعلى عكس ما يشاع من أن النساء الناشطات إسلامياً يخضعن لمراقبة الرجال الناشطين واشرافهم, فإن الباحثة وجدت أنهن أوجدن أشكالاً بديلة للتمكين بدلاً من تلك الشائعة والمعروفة بين الحركات النسوية الغربية والتي تعادل تمكين المرأة بمفاهيم الاستقلال والحرية الجنسية والتخلص من الفروق بين الجنسين.



ففي الوقت الذي تعمل فيه النساء الناشطات إسلامياً ضمن إطار يعتمد على التسليم بسلطة الرجل على المرأة, إلا أنهن يمكّن أنفسهن من داخل الإطار ذاته وتكون النتيجة واحدة هي "التمكين".



ولعل الداعية ش. ف. أبرز مثال على الشكل الجديد للمرأة المسلمة الناشطة والمتمكنة, فوالدها كان ذا منصب رفيع في وزارة قيادية, وعلى رغم انشغالها في الثمانينات بتربية أبنائـها, إلا أنهـا درسـت القرآن والتاريخ الإسلامي باستفاضة ونجحت في مساعدة 30 سيدة على حفظ القرآن, والتحقت بمعهد الدعاة التابع للأزهر الشريف, وبدأت تعطي دروساً دينية جذبت إليها المئات ومن ثم الآلاف من النساء المسلمات, لا سيما المنتمـيات الى الطبـقتين العليا والوسطى. وتتحدث ش. ف عن كل شيء: إجازات الساحل الشمالي في مارينا, سيارة الجيران المرسيدس الجديدة, تعليم الابناء في المدارس الأجنبية, الصلاة, سبل تربية الأطفال.



وواجهت ش. ف. حرباً شعواء من الدوائر الرسمية وعلماء الأزهر, كلها لأسباب مختلفة, فالأولى لأسباب أمنية وخوفاً من عودة الحركات المتطرفة, والثانية للاعتراض على تبوؤ المرأة مكانة كهذه.



وتتساءل الباحثة: هل تحوّل الوعظ الديني ظاهرة اجتماعية في مصر؟ ولماذا انتشرت الظاهرة بين نساء الطبقتين المتوسطة والعليا؟ وبغض النظر عن الأسباب فقد أثارت قلق الدولة والأزهر متمثلتين في الإعلام.



تقول الباحثة إن الدولة تسيطر على الإعلام, وبالتالي فإن الانتقادات التي تملأ الجرائد والمجـلات وبرامج التـلفزيون تعد انعكاساً للموقف الرسمي, وهناك من أرجع إقبال النساء المنتميات الى الطبقات الراقية على تلك الدروس الدينية بأنهن "جاهلات وخاويات ويبحثن عن الجديد", ومنهم من كتب أن "النساء أرض خصبة لأي أفكار توجه إليهن, فهن لا يملكن جهاز مناعة يستطيع أن يفرق بين الأفكار الجيدة والسلبية".



وتخلص الدراسة إلى أن الناشطات الإسلاميات يعملن على إيجاد مكان لأنفسهن في خضم الإحياء الديني الحاصل حالياً, وهن بتبوؤهن مراكز, مثل الداعيات والمعلمات الدينيات والواعظات, مارسن تحدياً واضحاً لهيمنة الرجال على تلك المجالات, ووجدن أنفسهن متمكنات وفي مكانة محورية في المجتمع. وهن يعملن على تغيير الظروف التي تقلل من شأن النساء في المجتمع, مثل الأمية, ونقص العناية الصحية والفقر, وذلك من خلال الخدمات المجانية التي يقدمنها في المساجد والجمعيات الدينية.



ويكمن سر هذا النوع المتميز من التمكين النسائي في عدم نظر النساء الى انفسهن باعتبارهن كينونات حرة ومستقلة تبحث عن الاستقلال عن السيطرة الذكورية غير العادلة, لكنهن يعتبرن أنفسهن جزءاً لا يتجزأ من وحدة واحدة, تشمل الزوج والأسرة التي تعمل في سبيل الله.