برنامج تطوير قيادة المرأة وتمكينها لعملية الديمقراطية

راديكالية المبادئ وجماهيرية العمل تحد امام المرأة التقدمية

كتبت عرين هواري, الناصرة: أحدى الأشكالات التي تمر بها الحركات النسوية أو حركات تحرير المرأة هي عدم نجاحها في التحول لحركة جماهيرية تستقطب جماهير النساء ويتضامن معها جماهير الرجال. من ناحية نحن ندعي ونؤمن بأننا نخوض نضالا من اجل معركة عادلة، ومن ناحية اخرى نجدها في كثير من الأحيان تصور كمعركة ضد الرجال، أو كمعركة لتحويل النساء الى رجال، وقد يهزأ العديد بأسئلة كالسؤال: لماذا ليست هناك حركة تحرير للرجال أيضا؟

تعاني من هذا التعامل معظم الحركات النسوية بالعالم وليس الأمر محصورا على الحركات النسوية العربية او تلك الفاعلة في العالم الثالث، كما وتلقى نفس التعامل الحركة النسوية في اسرائيل أيضا، والخوف الأستحواذي عند الكثير من النساء من تعريفهن كنسويات، يقطع القوميات والطبقات، فان الجملة ا لمشهورة أو نصف الجملة المشهورة التي تستعملها الكثير من النساء حين تشعر بأنها مضطهدة كأمراة، ولكنها تخاف ان "توصم" بنسوية هي جملة " أنا لست نسوية ولكن...." ، أي أنها تدفع ضريبة الإعلان عن كونها ليست نسوية، وثم تقول الموقف النسوي الذي تريد إعلانه. هذه الجملة تقولها النساء بالغرب كما بالشرق.



في محاولة لتحليل أخفاقات الحركة النسوية في التحول لحركة جماهير النساء وكذلك إخفاقها في أستقطاب تضامن جماهير الرجال، تخصص المفكرة والباحثة النسوية المشهورة بل هوكس، وهي أمريكية من أصول افربقية، فصولا من كتابها " ا لنسوية للجميع"، هذا على الرغم من استعراضها وفي الكتاب ذاته لنجاحات جمة لهذه الحركة في تنظيم العديد من النساء وبلورة أفكارهن و جهودهن وتسييس قضاياهن. تقول هوكس أن المجتمع البطركي ذا المصالح المعادية لجماهير النساء، ولكن أيضا لمعظم الرجال، صور الحركة النسوية كحركة ضد الرجال ولكن هوكس تعرفها بأنها حركة ضد ا لتمييز الجنسي وليست ضد الرجال، أنها حركة تطالب بإلغاء المجتمع البطركي.



تعزي هوكس هذه الأخفاقات أيضا الى أن الكثير من الناشطات في الحركة ا لنسوية توجهن للنساء فقط، وتركن الرجال وتخلين عنهم كعنصر داعم ومتضامن، تحاول هوكس في كتابها أن تؤكد ان الأخواتية –الاخوة بين النساء sisterhood لم تأت ضد الرجال فتقول " لم نتنظم ونتآخى ضد الرجال وأنما تنظمنا من اجل الدفاع عن مصالحنا كنساء".
تؤكد ايضا هوكس ان السعي لأظهار قدرات وابداعات ا لمراة ا لمغيبة تاريخيا، لم يأت ليقلل من انجازات الرجال وانما ليعزز انجازات النساء التي غيبت.



تأتي هوكس أيضا بأسباب اخرى ادت الى أخفاقات في عمل الحركة النسوية الأمريكية، وذلك بأنها تحيزت للنساء من الطبقات المتوسطة والعليا البيض بغالبيتهن.، فمثلا تشير هوكس الى ان الحركة النسوية البيضاء من الطبقة الوسطى في السبعينات حددت الأجندة ا لنسوية، حيث طالبت مثلا بحق المرأة في الأجهاض ولكنها تشير الى ان هذه لقضية كانت من القضايا التي أشغلت المرأة البيضاء من الطبقات الوسطى، بينما بالنسبة للمرأة ا لسوداء الفقيرة كان المطلب مجرد واحد من الامور التي عانت منها المرأة ا لسوداء في مجال الحقوق الإنجابية، مثل الأجهاض القسري، العمليات قيصرية أو أستئصال الرحم دون إستنفاذ ألإمكانيات العلاجية الأخرى، تلك حقوق لم تضعها الحركة ا لنسوية المهيمنة في اهتماماتها، رغم إدعائها أو اعتقادها بأنها تتحدث بإسم كل النساء.
.


وعلى نفس النمط عملت النسوية الليبرالية في أمريكا على ضرورة اخراج ا لنساء للعمل، وعلى رفض الوضع الذي اعتبر أن ممكلة المرأة بيتها، كانت هذه فترة رغبت بها النسويات من الطبقات الوسطى بالعمل خارج البيت بينما عملت النساء الفقيرات، السود بغالبيتهن العظمى ليل نهار، خاصة وقد عاشت الكثير منهن كنساء معيلات وحيدات ببيوتهن. وكن يعملن في أعمال لا تأتي بأي اكتفاء ذاتي بل بصعوبات جسدية جمة، وحلمن بالراحة في البيوت، هنا تشير هوكس الى تفاعل النسوية بالطبقية والعنصرية، حيث النساء البيض اللواتي أردن عملا به اكتفاء ذاتي فرضنه كاجندة نسوية لجميع النساء، ومن ناحية اخرى العديد منهن عملت داخل بيوتهن نساء سود ودون شروط دنيا، اي تقول هوكس بعض النسويات فضلن عدم الاستغناء عن امتيازاتهن الطبقية والعنصرية من اجل التضامن مع اخواتهن. طبعا هذا يفشل مشروع "الاخواتية" بين النساء ويفشل أيضا جماهيرية الحركة.
قراءة هوكس في سياقنا المحلي تساعدنا في فهم بعض الأشكالات التي يعاني منه العمل النسوي عندنا
أوافق هوكس بأن المجتمع البطركي من ناحية وعدم نجاحنا نحن بتعريف النسوية بانها مشروع تحرري ضد التمييز الجنسي، ساهما في أبعاد الكثير من ا لنساء، بعضهن حسب ويحسب اننا نعادي الرجال، البعضالآخر يحسب اننا نعاني من عدم ثقة بأنفسنا ولم ننجح في ال"منافسة الانوثية" على قلوب الرجال، من ناحية ثانية لربما نكون نحن أيضا قد تحيزنا الى قضايا بعض النساء وليس إلى قضايا كل النساء، كما ولم نشدد على الفرق بين حقنا في التنظم والتأطر كمجموعة تعاني من تمييز على خلفية جنسها، وبين رغبتنا في أن يكون مشروعنا تحريريا لكل المجتمع وليس للنساء فقط.



هذا الخطاب ينسجم جدا مع الخطاب القومي الديمقراطي الذي يؤكد على حقنا في التنظم كمجموعة قومية مقهورة فوميا، فان مشروعنا القومي هو مشروع ضد التمييز القومي، ولكنه ليس معاديا لليهود. او لقوميات أخرى، وكذلك فمشروعنا الديمقراطي يسعى ضمن ما يسعى له الى الغاء التمييز الجنسي ولكنه ليس معاديا للرجال
ولكن هنالك ميزة خاصة تعيق جدا بلورة وتأطير العمل النسوي وتسييس معركته، وبهذا فهو مختلف عن تنظيم أي مجموعة مقهورة اخرى طبقية كانت ام قومية ام دينية ام أثنية، وهي أننا المجموعة الوحيدة التي لا تسمح لها شروط تواجدها "الطبيعي" بالتنظم، فالعمال والفلاحون يتنظمون في اماكن عملهم، والمجموعات القومية تعيش كمجموع وكذلك الأقليات، فحتى لو فرقت هذا المجموعات تبقى بؤرا تعيش بقرية او بحي. واما النساء فلا تعيش معا أبدا، أن واقع كوننا نعيش بأسر يجعل حياتنا نساء ورجالا دائما، وكون البطركية عزلت النساء في الحيز الخاص، فمكان تلاقيهن الطبيعي كمجموعة صعب ، والتلاقي الوحيد هو تلاق غير سياسي او تلاق ضمن اللعبة الذكورية التي تجعل التلاقي تنافسيا، واما الرجال فتلتقي بالحيز العام. لذا كانت افضل المبادرات باعتقادي التي قامت بها االنسوية الراديكالية هي تأسيس مجموعات رفع الوعي، التي هدفت ولاول مرة الى جمع النساء كمجموعات داعمة ومتضامنة تعي ان قضيتها ليست شخصية وانما سياسية، لقد تطورت فكرة أقامة مجموعات رفع الوعي النسائي على يد النسويات الراديكاليات في مطلع الستينيات، وقد انطلقت هذه المجموعات بناء على مجموعة من الفرضيات من بينها: إن النظام الاجتماعي في الغالبية العظمى من المجتمعات هو نظام أبوي، وإن النساء بمعظمها لا تعي أن هذا النظام هو ليس قدرا محتوما بل واقع اجتماعي قابل للتغيير، وقد أشارت المفكرة النسوية كيت ميليت الى الى أن ما يميز هذا النظام هو انه على الرغم من سلطته فهوغير مرئي، او بالأحرى هو يطرح نفسه كوضع "طبيعي" وحتمي غير قابل للتغيير.



اعتقد ان مشروعا قوميا ديمقراطيا يحتم على النساء داخله التنظم والوقوف امام التحديات التي يفرضها الواقع ا لقومي من ناحية ولكن يفرضها أيضا الواقع الأجتماعي، لن تستطيع النساء في الحركة القومية ان تعمل مع زملائها الرجال في هذه ا لحركة دون ان تتنظم وتعمل على تسييس واقعها الاجتماعي أيضا، بمعنى اننا ندعوالى التنظم كنساء ليس إلا لكون وجودنا معا يساهم في ان نعي أن واقعنا هو سياسي أي ناتج عن علاقات قوة في غير صالح النساء، وباننا حتى لو تحررنا قوميا نبقى مجتمعا مازوما طالما لم نتحرر اجتماعيا، والتاريخ غني بالنماذج التي أوجدت النساء داخل حركات التحرر الوطني ولكن دون ان يتنظمن بداخله، وبعد التحرر خسرن معركتهن.



أهم تحد امام هذا التنظبم هو استقطاب النساء وجمهرة هذه الحركة، جعل النساء والرجال ايضا متعاطفين معها وداعمين لها دون أن تفقد هدفها، ومن أجل الوقوف أمام هذا التحدي علينا أن تضع على اجندتها قضايا كل النساء، وبالتالي فتسييس النساء لا يعني برأيي زيادة عددنا في عضوية البرلمان او في المجالس المحلية او ادارات الشركات االحكومية، على أهمية هذه القضايا، وانما يعني جعل النساء واعيات لان قضيتهن الاجتماعية هي أيضا قضية سياسية، على اهمية مشاركتهن وأنخراطهن في المشروع التحرري بكامله، أي دون حصر نشاطهن في قضية واحدة فقط، وإنما العمل بمسارين متوازيين ومتفاعلين: أحدهما ضد القمع القومي والثاني ضد القمع الجنسي، واذا ظهر تناقض جوهري بين المسارين يكون أحد المشروعين حتما قد حاد عن مبدأه التحرري.



اخيرا في ملاحظة حول االخطاب الذي بإعتقادي مهم أن نتبعه أستعير من هوكس أيضا نقدها لتحويل النسوية الى كلية داخل الأكاديميات، أذ تشير هوكس إلى ان إنتقال الحركة النسوية في الولايات المتحدة من العمل في مجموعات رفع الوعي الىالعمل في قسم الدراسات ا لنسوية في الجامعات، كان سببا في اخفاق الحركة النسوية، وذلك على الرغم من أهمية الدراسات النسوية، الا ان تحول الفكر النسوي الى الاكاديميا حصرا أبعد واقصى معظم النساء، حيث أهم ما وصلت أليه الأبحاث التي تتعلق بقضية المرأة تبقى ملكا للنساء في الأكاديميا، حيث لغة هذه الأبحاث وقاموس مصطلحاتها يتحدث لشريحة صغيرة جدا من النساء ويعزل جماهيرها العريضة.
نعم، نحن أصلا لا يوجد عندنا مركز دراسات نسوية عربي في الداخل، ولكن خطابنا حين نتوجه للنساء يكون منسوخا عن تلك الأكاديميات، لذا أرى تحديا آخر امامنا بان نأخذ زبدة ما تصل إليه الأبحاث النسوية ولكن ان نجمهر مفاهيمها وتوصياتها.
عرين هواري من الناصرة, ناشطة نسوية وعضوة اللجنة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي- حزب فلسطيني يعمل داخل سرائيل :



لمعلومات عن الحزب:
www.balad.org



لمعلومات عن واقع الفلسطينين داخل إسرائيل يمكن زيارة موقع مدى الكرمل –المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية:
www.mada-research.org



أو موقع عرب 48 :
www.arabs48.com